حقول البترول السودانية تلتهم المزارع و المراعي

المياه الملوثة بالنفط تتسبب في تدهور البيئة و تعرِّض الرعاة و مواشيهم للخطر

شركات النفط السوداني تتجنب الإعلام او تحاول التمويه عليه و تخفي الكثير من الحقائق

هجليج / Heglig Oil Fields - Sudan من صالح عمار / Salih Amar

حموده فضل بلل (42 عاماً) راعي أبقار كغيره من أهالي منطقة هجليج، إستوقفنا ونحن نقوم بجولة في المنطقة بصحبة مندوب من شركة النيل الكبري للبترول. وبغضب وهياج ذكر لممثل الشركة أن مياهاً ملوثة تخرج من احد مقار الشركات العاملة، تشرب منها ابقاره في غيابه ويلعب فيها أطفاله، شكوي تكررت فيما بعد وسمعنا الكثير من أمثالها.

الغضب وحالة الهياج البادية علي حموده كانت تخفي وراءها حالة إحتقان وعدم رضا للاهالي عن الشركة، وشكاوي من هضم حقوقهم كاصحاب حق في الارض والخروج صفر اليدين من مليارات البترول، ليس ذلك فحسب يضيف حموده : (الاكبر منك يدوسك .. هؤلاء غيروا حتي إسم المنطقة من عِّد المرافعين لهجليج، فقط لمجرد رؤيتهم لشجرتي هجليج وحيدتين لاثالث لهما في المنطقة).

ولكن الغضب لا يقتصر علي الاهالي وحدهم، بل يمتد لموظفين وعمال داخل الشركة يرون أن شركات البترول تمارس عمليات نهب منظم وترتكب مخالفات جسيمة.

ثمانٍ واربعون ساعة قضيتها في حقل هجليج لإنتاج البترول ـ الواقع جنوب غربي السودان الشمالي والمحاذي لولاية الوحدة بالجنوب ـ لم تكن محصلتها في ذهني سوي إضفاء المزيد من الإثارة والغموض علي صناعة النفط في السودان منذ نشوئها، و التي تختفي تفاصيلها خلف سياج من السرية المفروضة من جميع الأطراف.

ورغم الكثير من الايجابيات التي تستحق التركيز وتحسب لمصلحة الشركات المنتجة، إلا أن حذر هذه الشركات البالغ من الإعلام والكاميرات يثير الدهشة ويبعث علي الفضول، ويفتح الباب لتصديق الإتهامات التي تواجه هذه الشركات و التي تتلخص في عدم مراعاة شروط السلامة والبيئة، والفساد، والإستغلال ... إلخ.

وليس من رأي كمن سمع، فقد تم تقييد حركتنا لاقصي درجة، وفرضت علينا مايشبه حالة حصار الزمتنا مساكننا، كان ختامها طردي مع مرافقي بدبلوماسية قبيل إنتهاء برنامجنا المتفق عليه، و عودتنا بطائرة الصباح الاولي المتجهة للخرطوم.

وبما يشبه المعجزة، كانت إدارة شركة النيل الكبري للبترول قد وافقت ـ بناءً علي خطاب من وزير النفط ـ علي سفرنا للحقل، وأجازت برنامج زيارتنا الذي كانت أهم فقراته الوقوف علي مشاريع التنمية والخدمات التي تقدمها الشركة لمواطني المنطقة، والآثار البيئة لإستخراج النفط ووسائل السلامة، والإلتقاء بالمجموعات المحلية.

في هجليج ومنذ اللحظة الاولي لهبوط طائرتنا في مطارها الصغير، أرسل لنا مندوب الامن الذي كان في إستقبالنا رسالة واضحة تقول: (المنطقة لها ظروف خاصة، والإجراءات ستكون دقيقة، وحركتنا مقيدة)، وقد اوفي الرجل فيما بعد بما وعد.

وبمجرد دخولنا مباني الشركة إلتقينا بممثل لوزارة النفط، شرحنا له برنامج الزيارة وأهدافها، ووقتنا المحدد بثمان واربعين ساعة، ووعدنا من جانبه بتسهيل مهمتنا. كان ذلك في العاشرة  صباحاً، ولكن اليوم مرّ ونحن لم نغادر مقر إقامتنا.

صباح اليوم الثاني تم توجيهنا نحو قسم التنمية. مدير القسم وعلي غير العادة في مثل هذه الحالات كان متردداً في مرافقتنا لمعاينة المشاريع الخدمية المنفذة بواسطة إدارته (بينما المنطق أن يكون هو الاكثر ترحاباً بالإعلام لعكس ماقام به من مشاريع). بعد ذلك طرح أحد الحاضرين مقترحاً بأن نبدأ جولتنا بقسم آخر.

مدير قسم السلامة والصحة والبيئة عمر خضر الشريف إستقبلنا بترحاب وأوضح أنهم يعملون بنظام متكامل للحفاظ علي البيئة، ويقدمون للعاملين بالشركة منذ لحظة إلتحاقهم بها تنويراً حول ابجديات الصحة والسلامة، واوفد معنا بعد ذلك مرافقين للمرور ميدانياً علي مايقومون به.

غابات وأسراب طيور علي مدّ البصر

مرحلة الإنتاج الاولي والاساسية التي يتم خلالها استخراج النفط من باطن الارض، لم يتسن لنا معاينتها، وهي المرحلة التي سمعنا من عاملين بالشركة أن اخطاءً تلازم بعض جوانبها؛ تؤثر سلباً علي البيئة وتؤدي لتلوث الارض.

في المرحلة الثانية وبمرافقة ممثلين لقسم السلامة، إطلعنا علي عملية فصل كميات المياه الكثيرة من الزيت العالق بها، وهي عملية تشرف علي تنفيذها شركتي اوشن الانجليزية والتكامل السودانية.

و يتم خلال هذه العملية تجميع المياه في احواض كبيرة، وبمرور الزمن يطفو الزيت علي السطح، ويتم سحبه بواسطة مضخات، فيما يتم الإستفادة من المياه في الزراعة والبساتين ـ وحتي الاسماك ـ كما شرح لنا ممثل شركة اوشن ستيفن ماكدونالد.

وبكميات المياه تلك أقامت الهيئة القومية للغابات بالتعاون مع شركة النيل حزاماً شجرياً يمتد علي مساحة 650 فدان من المتوقع أن تزداد فتبلغ 1250 فدانا، وفقاً لما أدلي به عادل محمد علي مفتش الغابات والمشرف علي تنفيذ المشروع. ويقول عادل إن المشروع بدأ التخطيط له في العام 2006 وتنفيذه الفعلي في 2008، ويتم من خلاله زراعة أشجار البان والمهوقني والتيك ونبتة المورينقا (التي تعمل بذرتها علي تنقية المياه وتستخدم لاغراض طبية).

ومايثير الإطمئنان علي سلامة وصحة البيئة في تلك المساحات التي تشرف عليها شركتي اوشن والتكامل والغابات، وجود أسراب الطيور الضخمة التي تحلق فوق المياه والاشجار، بالإضافة الي عدد كبير من الحيوانات البرية.

مطالب بزيادة الطاقة الإستيعابية لمستشفي هجليج

تمّ تأسيس مستشفي هجليج بواسطة شركة النيل للبترول، بهدف خدمة أهالي المنطقة، ويضم المستشفي عددا من الاقسام وغرفة للعمليات. ويقول المدير الإداري للمستشفي عبدالرحمن عبد المطلب، "إن المستشفي أفتتح في مايو 1999 ويقدم خدمات علاجية متكاملة ومجانية للمرضي".

ويري جمعة علي احمد وهو شاب من مواطني المنطقة إلتقيناه برفقة احد اقربائه المرضي أن المستشفي خفف الكثير من المعاناة علي الاهالي الذين كانوا يقطعون مسافات طويلة جداً لتلقي الخدمات العلاجية، وتشاركه عائشة محمد (50 عاماً) نفس الرأي. غير أن جمعة علي يقول إن اعداد المرضي كبيرة جداً ويفدون للمستشفي من مناطق متعددة، ولهذا يجب "توسيع المستشفي وإنشاء مستشفيات أخري".

الإزدحام والشكوي من بطء الإجراءات تكررت لدي عدد من المرضي والمرافقين. ماجدة عيسي (في الاربعينيات من عمرها) تقول بغضب إنها حامل وجاءت من منطقة بعيدة منذ الصباح الباكر وانتظرت لساعات طويلة؛ ولكنها لم تجد العلاج حتي تلك اللحظة (حوالي الثالثة ظهراً)، وقد تضطر للعودة لمنزلها بعد ذلك دون أن تقابل الطبيب.

قصة عداء معلن بين الأهالي و الشركة

حمودة فضل بلل الذي مضينا لمنزله وجلسنا مع أسرته الممتدة بعد إبلاغه للشركة شكواه بتلك الطريقة الحادة، يروي بحسرة أنهم كانوا يعيشون في المنطقة منذ عشرات السنين بسلام، يعتمدون في حياتهم علي ابقارهم والزراعة.

وبعد إكتشاف البترول وأثناء عمليات التنقيب كانت شركة شيفرون الامريكية تقوم بحفر آبار للمياه مع كل بئر بترول يتم إكتشافها، اما الشركات الصينية التي جاءت فيما بعد فلاشئ تقوم به لخدمة الاهالي، وكميات المياه التي تقدمها لا تتعدي اثنين من الدوانكي تسقي كل المنطقة. ويشدِّد حمودة علي أن الشركة لاتقدم لهم خدمات ذات أهمية وتسجل غياباً عن مجالات التعليم والمياه والبيطرة والزراعة، بينما إستولت علي مساحات واراضٍ واسعة كانت فيما مضي مناطق تخصهم ويستخدمونها في الرعي والزراعة، ويشارك حمودة رأيه تقريباً كل الاهالي الذين ينحدر أغلبهم من قبيلة المسيرية.

وفي الآونة الاخيرة تطوّرت الاوضاع لحالة شبيهة بحالة (حرب صامتة) حيث تقوم مجموعات يُعتقد أن افرادها من أبناء المنطقة بإختطاف عربات وممتلكات الشركة بقوة السلاح. ولهذا تتوقف الحركة بين الحقول ومناطق الانتاج بعد حلول الظلام.

وفي حال إستمرار وتنامي موجات الرفض والسخط من الاهالي علي الشركة، فليس من المستبعد أن تتحول عمليات الإختطاف لتمرد منظم وتوسيع دائرة الهجمات والنزاع. مع الاخذ في الإعتبار حقيقة إنتشار السلاح، ووقوع المنطقة في دائرة النزاعات السياسية (تحاذي ولايتي الوحدة بالجنوب وولاية جنوب دارفور).

الغموض يحيط بكل شئ خاص بشركات البترول

خبراء وعاملين إلتقيناهم في هجليج يتهمون الشركة الصينية بقلة وضعف الكفاءة الفنية، ويستدلون بعدد من الوقائع كان آخرها قطع كيبل لشركة زين للاتصالات، تسبب في توقف خدمات الشركة لعدة أيام.

ولكن ضعف الكفاءة الفنية ليس هو بيت القصيد، فهؤلاء الخبراء يتهمون الشركة الصينية صراحة بالتورط في مخالفات وتعمد عدم تنمية المنطقة.

دفن المخلفات بطريقة مخالفة للمواصفات أخطر هذه الإتهامات، وعلمنا ان الشركة الصينية قامت اكثر من مرة بدفن آليات ومخلفات حديدية بطريقة مخالفة للمواصفات، بينما كان يمكن الإستفادة من هذه المخلفات وإعادة إستخدامها اوتصديرها.

لم تقم الشركة طوال ثلاثة عشر عاماً هي عمر إستخراج البترول من المنطقة، بسفلتة كيلومتر واحد، رغم الحاجة الماسة لسفلتة الطرق بين الحقول والتي تبعد من بعضها عشرات الكيلومترات (ولايتي الوحدة وجنوب كردفان).

مصدر رفض ذكر إسمه اوضح لنا أن الشركة الصينية تتعمد عدم سفلتة الطرق والإعتماد علي الصيانة اليومية ورش الطرق بالمياه بسبب إمتلاكها لمئات اللودرات والآليات الثقيلة التي يبلغ إيجار اليوم لها 2000 جنيه فيما يبلغ إيجار عربة المياه 500 جنيه لليوم الواحد.

ويمكن تخيل المبالغ الضخمة التي تتقاضاها الشركات من هذه العملية إذا علمنا ان واحداً من الطرق فقط يبلغ طوله 70 كيلومترا. ومن نماذج الخلل أيضاً يذكر محدثنا ان الشركة تعاند في إنشاء دوانكي وحافظات مياه كبيرة، وتعتمد علي السقيا اليومية بالعربات التي تمتلكها، الامر الذي يزيد التكاليف ويضمن لها أرباحاً يومية.

خارج نص التقرير الخاص بـ "هوا" موقع القرن الافريقي من جنوب السودان - مؤشرات سياسية و إقتصادية!

هناك العديد من المؤشرات السياسية و الإقتصادية خلف سطور هذا التقرير، يرحب موقع القرن الافريقي بالعارفين و يدعوهم الي  الإدلاء بآرائهم حولها عن طريق الإستمارة في آخر الصفحة.شركات بريطانية، شركات امريكية، شركات صينية و شركات تتبع النظام الديكتاتوري الموجود... ما رأيكم؟

خارج النص السياسي لـ "هوا" موقع القرن الافريقي و قريبا جدا من البيئة!

هل أنت من السودان؟ أكتب عن مدينتك الجميلة علي الرابط التالي في موقع ابنتي...